
الذاكرة والاسم
- Alaa Tamimi

- 28 سبتمبر
- 1 دقيقة قراءة
✦ الذاكرة والاسم
لا ينسى الإنسان مكانه الأول، حتى لو تركه مجبراً أو حمل معه جراحه وآلامه. في قلب الذاكرة يبقى ذلك المكان حيّاً، ليس بجدرانه وأزقته فقط، بل باسمه أيضاً. فالاسم هو العلامة الأعمق التي تلتصق بالروح، وهوية لا تزول.
ولذلك، حين تغيَّرت أسماء المدن العراقية عبر العقود – الناصرية صارت ذي قار، العمارة غدت ميسان، الحلة بابل، وكركوك التأميم – ظل الناس في أحاديثهم يرددون الأسماء الأولى. كأن الذاكرة ترفض أن تُستبدل، وتصرّ على أن تحفظ صوت الهور وعبق المضايف وملامح المدينة كما عُرفت منذ البداية.
في بغداد نفسها، لم يقل أحد لسائق التاكسي: “خذني إلى مدينة صدام الطبية”، بل ظل الجميع يطلبون “مدينة الطب”. وكأن اللسان الشعبي يثور، بلطفٍ وسخرية، على كل محاولة لانتزاعه من ذاكرته.
إنها لعبة الأسماء حين تدخلها السياسة. لعبة قاسية تُقصي المكان عن أصالته، وتزرع في وجدان الأجيال علامات الانقسام بدل أن تغرس بذور التعايش. فقد أثبت التاريخ أن الأسماء المفروضة تزول بزوال الأنظمة، بينما تبقى الأسماء الأولى، تلك التي حملتها الذاكرة، عصيّة على المحو.
إن تغيير الاسم ليس بريئاً، فهو جرح في هوية المكان، وانفصال عن سرديته الأصلية. ولذا، كل جيلٍ يصرّ على توريث أسمائه الأولى للذي يليه، دفاعاً عن الذاكرة ورفضاً للنسيان. وبغداد، مثل سائر مدن العراق، شاهدة على أن الاسم ليس كلمةً عابرة، بل هو حياة بأكملها تختصر في نغمة واحدة

تعليقات