الفخر بلغة الديمقراطية
- Alaa Tamimi
- 2 مايو
- 2 دقيقة قراءة

في ليلة إعلان نتائج الانتخابات الكندية الأخيرة، تابعت المشهد أمام الشاشة بعيون مترقبة. أعلن المسؤولون النتائج النهائية بسرعة ودقة، وأكدوا أن الحزب الليبرالي قد حصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، مؤكدًا استمرار الليبراليين في السلطة. ما شدّني في تلك اللحظات لم يكن فقط النتيجة، بل طريقة تقبّلها.رأيت زعماء الأحزاب المنافسة، الذين لم يمضِ على وقوفهم في مناظرات حادة سوى أيام، يخرجون للتهنئة بلغة مهذبة، خطاب هادئ ومسؤول، خالٍ من الشتائم والتخوين، مملوء بالوعود بمواصلة العمل من موقع المعارضة من أجل خدمة المواطنين. هنا، شعرتُ ككندي بالفخر: هذا هو وجه الديمقراطية الحقيقي. ليس الفوز وحده ما يصنع العظمة، بل قَبُول الخسارة بكرامة، والاعتراف بإرادة الشعب دون التشكيك بشرعية الانتخابات أو نزاهة المنظومة.
ثم انتقل ذهني للمقارنة مع ما نشهده في الولايات المتحدة الأمريكية التي دستورها كان شعلة الديمقراطية منذ تأسيسها عام 1766، حيث نلاحظ الآن مع الأسف اللغة المتدنية، وموجات التشكيك في نتائج الانتخابات، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة. هناك، تشوهت صورة الديمقراطية أمام أنظار العالم، وتحولت الحملات الانتخابية إلى معارك شخصية، مليئة بالاتهامات والعداء، مما زعزع ثقة المواطن الأمريكي بنفسه بمؤسساته وأوحت بصورة مشوشة للعالم عن الديمقراطية الأمريكية.
أما الأدهى، فهو حين نلتفت إلى دول عالمنا الثالث، حيث اللغة السياسية المنحدرة ليست ظاهرة عابرة، بل ثقافة راسخة. هناك، يخون السياسي خصمه لاختلاف رأيه، ويتهمه بالعمالة، ويجعل من خصومته معارضات وجودية لا تنافسًا مشروعًا. تفتقر الكثير من أنظمتنا السياسية إلى نضج القبول بالهزيمة، وكأن الخسارة تعني الإقصاء، لا التعلم.
رسالتي اليوم، للمجتمعات التي ما زالت تتلمس طريقها في بناء ديمقراطيات حقيقية:ليست الديمقراطية صناديق اقتراع فقط، ولا أرقامًا تُعلَن على الشاشات، بل هي ثقافة احترام. احترام المنافس، احترام الرأي الآخر، احترام إرادة الناخب، احترام المؤسسات.
إذا كنا نطمح لديمقراطيات راسخة، فعلينا أن نغيّر أولًا لغتنا السياسية. لا يمكن أن تنهض مجتمعاتنا إن ظلت الأحزاب ترى في خصومها السياسيين أعداء وجوديين. ولن تحترم الشعوب نتائج الانتخابات، إذا ظل قادتها يزرعون فيها الشك قبل كل عملية انتخابية.
دعونا نتعلم من هذه المشاهد
ونفكر: كيف نزرع في مجتمعاتنا ثقافة الاعتراف بالآخر؟ كيف نجعل من الانتخابات فرصة لبناء جسور، لا لحفر الخنادق؟
تعليقات