حين تصنع المدينة سعادتنا
- Alaa Tamimi
- 10 أبريل
- 2 دقيقة قراءة
هل سبق أن تأملت كيف يؤثر شكل مدينتك على حالتك النفسية اليومية؟ كيف تُشعرك الأرصفة، المباني، والمساحات الخضراء بالطمأنينة أو القلق؟ في الحقيقة، ليست المدن مجرد أماكن نعيش فيها، بل هي بيئات تُشكّل بشكل مباشر جودة حياتنا وسعادتنا.
منذ بدايات التمدّن، مرّت المدن بتحولات عميقة: من أزقة ضيقة مخصصة للمشاة، إلى شوارع عريضة تهيمن عليها السيارات. ومع هذا التحول، تغيّرت علاقتنا بالمدينة... ومعها، تغيّرت نظرتنا للسعادة.
المدينة كمصدر للراحة... أو التوتر
تشير الأبحاث إلى أن تصميم المدينة له تأثير عميق على مستوى السعادة والانتماء لدى سكانها. فعندما تحتوي المدينة على فضاءات عامة رحبة ومتعددة الاستخدامات، مثل الأرصفة الواسعة المزينة بالأشجار، والحدائق المفتوحة، ومناطق اللقاء المجتمعي، يشعر الناس بأنهم جزء من نسيج حي يدعوهم للتفاعل لا للعزلة.
المجتمعات التي تشجّع على الاختلاط الاجتماعي والتفاعل اليومي عبر الأماكن العامة، تنجح أكثر في خلق شعور جماعي بالثقة والانتماء. والسعادة هنا لا تعني فقط شعورًا بالبهجة المؤقتة، بل تعني أن يشعر الإنسان بأنه مرئي، مرحّب به، وفعّال داخل مجتمعه.
التخطيط الذكي يعزّز الحياة
خبراء تخطيط المدن يجمعون اليوم على أن الحد من استخدام السيارات وتشجيع السكان على المشي أو استخدام وسائل النقل الجماعي يُساهم في تحسين نوعية الحياة. فالمشي لا يحسّن الصحة الجسدية فحسب، بل يعزز أيضًا التفاعل الإنساني العفوي، ويُنعش الاقتصاد المحلي، ويقلّل التلوث.
وبينما نُقدّر الخصوصية، تبقى العلاقات الإنسانية القوية هي العامل الحاسم في جودة الحياة. المدن التي تشجع على اللقاء، على النظرات المتبادلة، والابتسامات العفوية، تُنتج مواطنين أكثر سعادة وأمانًا.
الإمارات العربية المتحدة: نموذج للسعادة الحضرية
وفقًا لتقرير السعادة العالمي لعام 2025، تصدّرت الإمارات العربية المتحدة الدول العربية في مؤشرات السعادة، واحتلت المرتبة 21 عالميًا.
ويعود ذلك إلى مجموعة من السياسات والممارسات الذكية، منها:
استثمارات كبيرة في البنية التحتية المستدامة والمرافق العامة.
وجود نظام دعم اجتماعي شامل في الصحة والتعليم والإسكان.
ارتفاع مؤشرات الحرية الشخصية والفرص الاقتصادية.
وعي حكومي متزايد بأهمية جودة الحياة الحضرية.
كل ذلك مكّن الإمارات من تقديم نموذج لمدينة عربية حديثة تراعي الإنسان في صميم تخطيطها، وتجعل من السعادة هدفًا وطنيًا واضحًا.
ماذا يقول تقرير السعادة العالمي؟
تقرير السعادة العالمي، الذي تُصدره شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة سنويًا منذ عام 2012، يقيس السعادة في أكثر من 140 دولة استنادًا إلى معايير متنوعة، أبرزها:
نصيب الفرد من الناتج المحلي
الدعم الاجتماعي
متوسط العمر المتوقع الصحي
الحرية الشخصية
الكرم والتضامن المجتمعي
مستوى الثقة والفساد
ومن أكثر الأسئلة دلالة في التقرير:
"إذا أضعت محفظتك، هل تعتقد أنك ستستعيدها إذا وجدها جارك، أو شخص غريب، أو الشرطة؟"هذا السؤال يقيس الثقة المجتمعية، وهي عنصر جوهري في الإحساس بالسعادة والأمان.
حين تصبح المدينة مشروعًا مشتركًا
السعادة الحضرية لا تتحقق فقط عبر التخطيط، بل عبر شعور الإنسان بأنه شريك في المدينة، لا مجرد ساكن فيها. المدينة الناجحة هي التي تسمح لك بالمشي بأمان، بالجلوس في حديقة دون توتر، بلقاء أناس يبتسمون لك دون سبب، وتبادل الحديث مع الجيران دون خوف.
في النهاية، المدينة ليست مكانًا نسكنه، بل كيانًا نكوّنه معًا.
لنصنع مدنًا تُشبه أحلامنا
المدن هي انعكاس لاختياراتنا، وطريقة عيشنا، وقيمنا. حين نُعيد التفكير في تخطيطها من منطلق إنساني مستدام، فإننا لا نبحث عن مدينة مثالية، بل عن مدينة رحيمة، تحترم الإنسان وتمنحه كرامته.
💬 دعوة للحوار:
هل تؤثر مدينتك على مزاجك وسعادتك؟
ما الذي تحبّه أو تفتقده في بيئتك الحضرية؟
برأيك، كيف يمكن جعل مدننا أكثر إنسانية؟
نعم يادكتور اوافقك الرأي تماما خصوصاً اذا ما قارنا بين المدن سابقاً ببساطتها وعفوية سكانها واجتماعهم وتعارفهم وتآلفهم رغم شغف العيش وقلة ذات اليد الا انهم دون شك كانوا أكثر سعادة و ذلك بسبب الترابط الاجتماعي الذي وجد من النسيج العمراني للمدن وتشكله وفق احتياجات الناس
الشكر لكم على ما كتبتم وابدعتم
م / عبدالعزيز التويجري