زيارتي إلى مدينة غوري في جورجيا : في ضل ستالين
- Alaa Tamimi
- 28 يونيو
- 2 دقيقة قراءة

لطالما كانت رحلاتي السياحية فرصة لاكتشاف الأماكن بما تحمله من جمال طبيعي، لكنها في الوقت نفسه بوابة للغوص في عمق التاريخ. لدي عادة راسخة، لا تكاد تغيب عن أي من جولاتي زيارة المعالم التاريخية التي تحمل ذاكرة الشعوب، من متاحف ومدن قديمة وبيوت شخصيات صنعت الأحداث. فالتاريخ، برأيي، لا يُقرأ فقط في الكتب، بل يُلمس في الجدران، ويُشمّ في تفاصيل الأمكنة، ويُستشعر في صمت الأزقة
ومن هذا الدافع، قررت أثناء زيارتي القصيرة إلى العاصمة الجورجية تبليسي أن أخصص يومًا لزيارة مدينة غوري، مسقط رأس جوزيف ستالين. فمهما اختلفت الآراء حول هذه الشخصية المثيرة للجدل، تبقى سيرة ستالين جزءًا محوريًا من تاريخ القرن العشرين لا يمكن تجاوزه
غادرت العاصمة الجورجية تبليسي مع رفيق سفرتي صديقي وقريبي شاكر التميمي متجهين غربا بسيارة مؤجرة نحو مدينة غوري، مسقط رأس جوزيف ستالين، الرجل الذي غيّر وجه القرن العشرين. كانت المسافة قصيرة نسبيًا، لا تتجاوز 90 كيلومترًا، لكن الرحلة بدت لي أشبه برحلة في الزمن، تعيدني إلى بدايات القرن الماضي، إلى المكان الذي انطلقت منه حكاية من أكثر الحكايات السياسية والإنسانية جدلًا.
وصلت إلى غوري بعد قرابة ساعة ونصف من القيادة وسط طبيعة خضراء وتلال ناعمة، وكانت المدينة هادئة، بسيطة، لا توحي للوهلة الأولى أنها أنجبت شخصية بحجم ستالين. سرعان ما بدأت ملامح الذاكرة التاريخية تتضح حين اقتربت من متحف ستالين، المبنى الذي يقف شامخًا وسط المدينة كأنّه لا يزال يحتفظ برهبة الماضي.
بدأت جولتي في المتحف من البيت الخشبي الصغير الذي وُلد فيه ستالين عام 1878 – بيت متواضع مؤلف من غرفة واحدة وسقف من القرميد، محاط الآن بجناح رخامي يحميه من تقلبات الزمن. تأملت تفاصيله البسيطة وتساءلت كيف لطفل ولد في هذا المكان أن يصبح لاحقًا أحد أقوى حكام العالم.
ثم انتقلت إلى مبنى المتحف الرئيسي، وهو بناء ستاليني الطراز بواجهته الضخمة وأعمدته الثقيلة. يضم المتحف صورًا ووثائق وأغراضًا شخصية لستالين، من بزاته العسكرية إلى غليونات التدخين التي كان يستخدمها، مرورًا بصور نادرة من شبابه، وخريطة لحملاته العسكرية، وأفلام دعائية تعكس صورة الزعيم كما أرادت السلطة أن تقدمه.
ما أثار اهتمامي بشكل خاص هو العربة الخضراء التي استخدمها ستالين في تنقلاته أثناء الحرب العالمية الثانية، والتي تقف في حديقة المتحف كأنها لا تزال تنتظر رحيله الأخير. دخلت العربة وتأملت مقصورتها البسيطة، فتخيلت كم من القرارات المصيرية ربما اتُخذت داخلها.
زيارة غوري لم تكن مجرد رحلة سياحية، بل كانت مواجهة صامتة مع التاريخ. تاريخ يحمل في طياته الكثير من الأسئلة، عن السلطة، وعن العدالة، وعن الثمن الذي تدفعه الشعوب حين تُختزل السلطة في شخص.
خرجت من المتحف وقد ثقل رأسي بالتفكير، وسرت قليلًا في شوارع غوري الهادئة قبل أن أعود أدراجي إلى تبليسي. كنت أعلم أنني زرت مكانًا لا يمكن النظر إليه بعين واحدة؛ مكان يثير الإعجاب والخوف، ويجبرك على التأمل في معاني القوة والمصير.
السفر تجربة جميلة ومتعة واكتشاف والتعرف على أماكن توسع الآفاق وتجعلك اكثر وعيا ، سفرة موفقة