top of page

في الطريق إلى عاصمة الجبل الأسود

ree

غادرنا بودفا في ساعات الصباح ، تاركين وراءنا زرقة البحر الأدرياتيكي الساحرة وصخب المدينة القديمة التي تتربع على ضفافه.

بينما كنا في طريقنا من ساحل الأدرياتيكي نحو العاصمة بودغوريتسا، توقفنا في تشيتينيي Cetinje العاصمة الملكية القديمة لدولة الجبل الأسود لتناول طعام الفطور. لم تكن تشيتينيي مدرجة في مخطط رحلتنا، لكنها باغتتنا كما تفعل المدن الجميلة أحيانًا، حين تمرّ بها بسرعة فتأسر روحك بهدوئها.


دخلناها في صباح مشمس هادئ، المدينة بدت وكأنها ما زالت نائمة على صدر التاريخ. شوارعها مرصوفة بهدوء، وأبنيتها تحمل ملامح ماضٍ ملكيّ، صامت، لكنه فخور. ليست مدينة كبيرة ولا صاخبة، بل تشبه متحفًا مفتوحًا تحت السماء، تتنفس بين الأشجار.


جلسنا في مقهى بسيط لكنه أنيق، يتوسطه ظل شجرة قديمة. طلبنا فطورًا مونتينيغريًا تقليديًا: خبز محلي دافئ، جبن طازج، زبدة ومربى، مع قهوة سوداء كثيفة كأنها حديث التاريخ. كان الجو لطيفًا، والناس لطفاء، يتعاملون مع الزوار ببساطة دون تكلّف، وكأن المدينة اختارت أن تظل حقيقية، مهما تغير الزمن من حولها.


بعد الفطور، سرنا في ساحة عامة قريبة من المقهى، حيث لفت انتباهنا نصب تذكاري لامرأة ترفع سيفاً في يدها اليمنى وتحمل في الأخرى باقة من الزهور. مشهد مؤثر، يجمع بين رمزية القوة والنعومة، وكأنه رسالة المدينة لزوارها: “من لا يحمل السيف دفاعًا عن الحياة، لن يعرف كيف يحمل الزهور احتفاءً بها.”


على قاعدة التمثال، نُقش تاريخ 24 ديسمبر 1915، يومٌ محفور في ذاكرة الجبل الأسود، يعود إلى زمن الحرب العالمية الأولى، حين كانت البلاد تقاوم الغزو النمساوي المجري. تمثال لا يُجسّد المرأة فحسب، بل يُجسّد الوطن حين تنهض فيه الأم لتصبح حارسةً وصوتًا للكرامة.


لم نطِل المقام كثيرًا، لكن تشيتينيي تركت فينا أثرًا لم نتوقعه. مدينة صغيرة بحجمها، لكنها عظيمة بحكايتها، تسكنها روح صامتة لا تُقاس بعدد سكانها، بل بعمق ذاكرة شوارعها.


واصلنا طريقنا نحو العاصمة، بودغوريتشا نحمل في أرواحنا وجبة فطور طيّبة… وقصة جديدة تضاف إلى مدن وذكريات.



اتجهنا نحو بودغوريتشا، عاصمة الجبل الأسود، عبر طرق خلابة تخترق الجبال والغابات، وكأنها تعزف لنا لحن الطبيعة الخلاب.


وصلنا العاصمة مع حلول الظهيرة، فاستقبلتنا مدينة تبدو حديثة وهادئة، لا تشبه العواصم المليئة بالضجيج، كأنها أُقيمت في صمتٍ عميق بعد عاصفة عابرة.


يُقدّر عدد سكان العاصمة بحوالي 150,000 نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان الجبل الأسود نحو 600,000 نسمة.


تجوّلنا أولاً في المدينة القديمة، حيث تختبئ آثار الماضي بين أزقة صامتة، ثم تابعنا السير في وسط المدينة الحديث، وفي المساء سرنا بين شوارعها المضيئة التي تجمع بين النظام الأوروبي والروح البلقانية. قضينا الليل في فندق Kerber، الصغير والهادئ، كأنّه ملاذ من ضجيج العالم على أمل المغادرة غدا صباحا إلى ألبانيا .


ارفق خريطة ومخططات بسيطة لتوضيح مواقع المدن ومسار الطريق.



المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
سلام النفس في حاضرها

🌿 خاطرة الجمعة لا تحملوا الماضي فوق أكتافكم، ولا تسبقوا بأفكاركم ما لم يأتِ بعد. الماضي—بأخطائه وندمه—لا يعود، فلا تجعلوه قيدًا يثقل...

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page