
"مثقفو النقل والنقر: حين تُختزل الثقافة في النسخ واللصق"
- Alaa Tamimi
- 23 مايو
- 2 دقيقة قراءة
في عالم طغت فيه السرعة على التأمل، والكمّ على النوع، أصبح من السهل أن يدّعي أحدهم الثقافة بنقرة، أو أن يُقدَّم بصفة مفكر لمجرد اقتباس عابر. اليوم، أتناول ظاهرتين متفشيتين في المشهد المعرفي العربي المعاصر: مثقف الذي يكتفي بتكرار أفكار الآخرين دون فحص أو موقف، ومثقف النقر الذي يحوّل التفاعل السطحي إلى ادّعاء بالوعي.
هذا المقال دعوة للتوقف، للتأمل، ولطرح سؤال بسيط وعميق:؟
في زمن كان المثقف يُعتبر ضمير الأمة ووعيها الناقد وداعمها الفكري، ظهر نموذج آخر مشوه وهجين، يشبهه في المظهر ويختلف عنه في الجوهر: مثقف النقل، وتلاه مع ظهور التكنولوجيا والوسائط الرقمية مثقف النقر.
مثقف النقل هو الشخص الذي يحفظ النصوص ويستظهر الأقوال، ويتفاخر بما جمعه من مقولات وأفكار الآخرين دون أن يبذل جهدًا في فهمها أو نقدها. يقرأ ليقتبس وليس ليحلل، وينقل ليبهر وليس ليفكك. يعرض النصوص كما هي، مما قد يضلل السامع أو القارئ، ويقنع نفسه بأنه أصبح من "النخبة" لمجرد أنه قرأ أو سمع أو شارك في مجلس ثقافي.
ثم حل عصر النقر، حيث باتت ضغطة زر، أو نسخ رابط، أو نشر اقتباس مزخرف على وسائل التواصل، كافية لتمنح البعض إحساسًا زائفًا بالمعرفة. ما كان يحتاج إلى وقت للتأمل والتحليل، أصبح يُختصر في نقرة، دون سياق، دون عمق، ودون مسؤولية فكرية.
إنّ المشكلة ليست في النقل ذاته، فالعلم والتراكم المعرفي بُنيا على النقل والفهم، بل في العقلية التي لا تفرّق بين النقل والتقليد، و النقر والتفكير. في مثقف يعيد إنتاج أفكار الآخرين، لا ليبني عليها أو يختلف معها، بل ليؤكد ما قيل، كما قيل، دون اجتهاد أو مساءلة أو موقف
نحن نعيش اليوم في عصرٍ تداخلت فيه الأصوات مع الضوضاء، وأصبح فيه كثرة النشر تتفوق على عمق التفكير، حتى ازدحمت الساحة الثقافية بأشخاص "يتظاهرون بالمعرفة دون أن يمتلكوها فعليًا". فليس كل من نقل نصًا أصبح واعيًا بمحتواه، ولا كل من ضغط على رابط صار جزءًا من معناه.
الثقافة ليست ترفًا بل هي شكل من أشكال المقاومة. إنها مقاومة للسطحية، والادعاء، والتقليد الأعمى. وتبدأ هذه المقاومة بلحظة شجاعة يتوقف فيها الإنسان عن التكرار ويسأل: هل أؤمن بما أنقله؟ هل يعبر ما أشاركه عني فعلًا؟
في الختام، المثقف الحقيقي هو الذي يسلط الضوء على الزوايا المظلمة، حتى وإن كانت بكلمة واحدة، وليس من يملأ الفراغات.
فتجنب أن تكون فقط ناقلًا... أو ناقرًا.
كن صوتًا، لا صدى
هذا المقال يسلّط الضوء على ظاهرتين شائعتين: مثقف النقل الذي يكرر دون فهم، ومثقف النقر الذي يدّعي المعرفة بلمسة شاشة. يدعو الكاتب للتأمل والصدق مع الذات: هل ما ننقله يعبر عنا فعلاً؟ الثقافة ليست تكرارًا ولا استعراضًا، بل مسؤولية وفكر وموقف. كن صوتًا لا صدى.