top of page

ألبانيا في يومين


ree

في صباحٍ ناعمٍ من تموز، غادرنا عاصمة الجبل الأسود متجهين جنوبًا نحو ألبانيا، وعلى غير ما توقّعنا، لم يستغرق عبور الحدود سوى دقائق معدودة. لم تكن هناك طوابير، ولا أسلاك شائكة، بل معبر بسيط كأنّه بوابة بين قلبين متجاورين اعتادا اللقاء.


لم تمضِ ساعة حتى وصلنا مدينة شكودر، تلك التي تتربع شمال ألبانيا كجسر ثقافي يربط البلقان بروح الشرق. فور دخولنا، خُيّل إلينا أننا عدنا إلى مدينة عثمانية، ببيوتها ذات الشرفات الخشبية، ومآذنها الرشيقة، وأزقتها التي تحتضن المارّة بحنوّ حجارتها القديمة.


بدأنا جولتنا في شارع المشاة وسط المدينة القديمة، حيث تصطف البيوت الملونة والمقاهي الهادئة، وتختلط أصوات الباعة بأصوات الأطفال وهم يركضون خلف طائرات ورقية مصنوعة يدويًا. في زاوية من الشارع، رأينا سيدة مسنّة تضع حجابًا داكنًا وتقود دراجتها الهوائية بثقة مدهشة، عربة التسوّق الخلفية ممتلئة بخبز دافئ وخضروات، وربما، بشيء من الذكريات.


شكودر لا تتجمّل، بل تُصادِق زائرها. لا تُغريك بالحداثة، لكنها تُدهشك بالبساطة والعُمق. زُرنا متحف المدينة، حيث الصور القديمة تروي فصولًا من تاريخها العريق: مقاومة الاحتلال، تقاليد الحِرَف، وأزياء الأعياد التي ما زالت تُلبَس في القرى المحيطة. ثمّ مررنا على الكنيسة الأرثوذكسية بهدوئها وهيبتها، حيث تتقد الشموع وتعلو الأيقونات كأنها تهمس بصلوات خافتة من قرون مضت.


بعد أن حملنا من شكودر شيئًا من عبيرها، تابعنا الطريق باتجاه العاصمة تيرانا. الطريق متعرج بين التلال، لكن الطبيعة كانت ترافقنا كدليل سياحي مخلص؛ بساتين الزيتون، وبيوت من حجر أبيض، وقرويون يلوّحون بأيدٍ مليئة بالترحاب.


مع اقترابنا من تيرانا، تغيّر الإيقاع. دخلنا مدينة تشبه قلبًا ينبض بالحياة…

تيرانا لا تخجل من ماضيها، بل تلوّنه. الشوارع العريضة تزينها رسومات جدارية جريئة، والميادين تجمع بين رموز الاستقلال والحداثة، كأن المدينة قررت أن تُحدّث تاريخها بالألوان لا بالمحو.


في المساء، ومع اقتراب غروب الشمس، قررنا أن نقضي ليلتنا فيها. اخترنا فندقًا صغيرًا يطلّ على ساحة سكاندربغ، قلب العاصمة، حيث تمثال البطل القومي يقف شامخًا يراقب تحوّلات وطنه. وبين الأضواء الناعمة، وضجيج الشوارع المتزايد مع الليل، شعرنا أن تيرانا ليست مدينة عادية… إنها مدينة تكتب نفسها من جديد كل يوم، وتدعونا لنكون شهودًا على هذا الميلاد المتجدد.





المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
جدارية الحرية :الضوء المنسي في ساحة الطيران

حين أنجز الفنان فائق حسن جدارية الحرية عام 1958 في ساحة الطيران، كان العراق يعيش واحدة من أكثر لحظاته السياسية توتراً وازدحاماً بالأسئلة. كانت البلاد قد خرجت لتوّها من قيدٍ طويل، وبدأت تبحث لنفسها عن

 
 
 
كيف غيرت التكنولوجيا الحديثة شكل المدينة

كيف غيّرت التكنولوجيا الحديثة شكل المدينة ؟ د.علاء التميمي تشرين الاول ٢٠٢٥ خلال السنوات الأخيرة تغيّر شكل المدن من حولنا بسرعة لافتة، وكأنها تعيش طفرة جديدة. لم يعد الأمر مجرد بنايات أعلى وطرق أوسع،

 
 
 
كيف خسرت المدينة صراعها مع الحداثة

د. علاء التميمي* *تشرين الأول ٢٠٢٥* *www.altamimialaablog.com* يتردد في تاريخ العراق سؤالٌ جوهري: كيف يمكن لمدينةٍ عريقة مثل بغداد أن تتحول من فضاءٍ للفكرة والعقل والنقاش إلى فضاء تحكمه القوة والغلب

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page