إيران وإسرائيل: حين تتقاطع التكنولوجيا النووية مع احتمالات الحرب
- Alaa Tamimi
- 15 يونيو
- 3 دقيقة قراءة
في ذروة التصعيد الجاري بين إسرائيل وإيران، تتعالى الأصوات الدولية محذرة من انزلاق الشرق الأوسط إلى مواجهة تتجاوز حدود القصف المتبادل نحو صدام نووي محتمل. ومع كل غارة إسرائيلية تستهدف مواقع في إيران، يبرز السؤال المخيف: هل يمكن فعلاً القضاء على البرنامج النووي الإيراني بضربة عسكرية؟ وهل اقتربت طهران من تجاوز الخط الأحمر في صناعة القنبلة؟
الجواب المختصر من خبراء مطّلعين هو: لا. فالضربات الجوية وحدها، حتى إن نفذتها طائرات الشبح الأمريكية من طراز B-2 أو المقاتلات الإسرائيلية المتطورة، لا يمكنها إنهاء المشروع النووي الإيراني. إذ تمتلك إيران، حسب مصادر دقيقة، برامج نووية موازية مدفونة في أعماق الجبال، في منشآت لا يعرف العالم عنها شيئًا. هذه المرافق لا تُستخدم فقط كخطة بديلة، بل كجزء من استراتيجية “الضربة الثانية” التي تضمن استمرارية البرنامج تحت أي ظرف.
لقد تعلمت إيران من تجربة العراق عام 1981، حين قصفت إسرائيل مفاعل تموز ودمرته في ساعات. أما اليوم، فالوضع مختلف تمامًا: المواقع معقدة، منتشرة، محصنة، والأهم من ذلك، أن إيران قد أصبحت نوويًا فعلًا، إن لم يكن بقنبلة، فبالمواد الانشطارية الجاهزة.
نحو العتبة النووية… وربما ما بعدها
في تشرين الثاني الماضي، أعلنت إيران رسميًا أنها امتلكت 25 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%—نسبة تُعد، وفقًا للمختصين، كافية لصنع قنبلة على غرار قنبلة هيروشيما. ولدى إيران اليوم نحو 70 كغم من هذا النوع من اليورانيوم، بالإضافة إلى 400 طن من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، وهو ما يمكن رفعه بسهولة إلى مستويات عسكرية باستخدام أجهزة الطرد المركزي المتطورة التي طورتها في السنوات الأخيرة.
الانتقال من تخصيب 60% إلى 93%—وهي النسبة اللازمة لقنبلة من نوع “الانفجار الداخلي” (implosion)—لم يعد يحتاج شهورًا، بل أيامًا أو أسابيع فقط، بفضل ما تمتلكه طهران من آلاف أجهزة الطرد المركزي من أجيال متقدمة، أبرزها IR-6 وIR-8، التي تفوق كفاءة الجيل الأول بعشرة أضعاف.
قوة الردع الصاروخي
ليس السلاح النووي وحده ما يثير المخاوف، بل وسيلة إيصاله. فالصواريخ الباليستية الإيرانية مثل “شهاب-3”، والتي تم تعديلها لتحمل حتى طن من المتفجرات، ما يدل على قدرتها على حمل رأس نووي إن استدعى الأمر. ورغم رفض إيران أن تشمل الاتفاقيات الدولية برامجها الصاروخية، فإن العالم يدرك أن الخط الفاصل بين الرادع التقليدي والرادع النووي أصبح هشًا.
برنامج موازٍ… واستراتيجية لامركزية
في حال استهدفت الضربات الجوية منشآت مثل نطنز أو قم، فإن إيران ستُفعّل ما يسمى بـ”البرنامج الموازي”، المخفي في أعماق الجبال. هذا البرنامج، وفق مصادر إيرانية، مصمم ليعمل تلقائيًا في حال انهيار البنية النووية العلنية. وفي تصريح لافت، قال أحد المسؤولين الإيرانيين: “حين يتم ضرب منشآتنا، سيستيقظ البرنامج غير المرئي ليستكمل المهمة”. والأسوأ أن طهران – وفق نفس التصريحات – لا تكتفي بما داخل حدودها، بل تمتلك بنى نووية منتشرة “في أنحاء مختلفة من العالم”، في إشارة إلى طموح عابر للحدود.
ما بعد الضربة… هل يتكرر سيناريو كوريا الشمالية؟
من المتوقع ان طهران قد تنسحب من معاهدة حظر الانتشار النووي، معلنةً نهاية مرحلة الضبابية والدخول العلني في نادي الدول النووية. وهو سيناريو مشابه لما فعلته كوريا الشمالية، حين انسحبت من المعاهدة في 2003 ثم صنعت قنبلتها لاحقًا.
خاتمة: زمن الحساب الصعب
ما يجري اليوم بين إيران وإسرائيل ليس مجرد نزاع إقليمي، بل مواجهة بين رؤيتين لمستقبل المنطقة: الأولى تعتمد على الردع النووي واستقلال القرار، والثانية تراهن على منع الانتشار بكل الوسائل، بما في ذلك الحرب. ومع تصاعد الغارات والاغتيالات والتهديدات، يبقى العالم أمام سؤال مصيري: هل ستنتهي هذه المواجهة بضربة توقف التخصيب؟ أم ستكون الشرارة التي تشعل حربًا لا يمكن احتواؤها؟
العالم يراقب، والمنطقة تختنق بترقب الانفجار الكبير.
*لمن يرغب في التوسع، فإن هذه المعلومات مستمدة من مقابلة تلفزيونية حديثة مع الدكتور يسري أبو شادي، كبير خبراء الطاقة النووية السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
تعليقات