top of page

احداث أيلول ٢٠٠١ غاندَر: مدينة صغيرة في قلب عاصفة كبرى





في مثل هذا اليوم قبل أربعٍ وعشرين سنة، اهتز العالم على وقع أحداث الحادي عشر من أيلول 2001. كنت أتابع الأخبار مثل الملايين حول العالم، حين ارتطمت الطائرات المخطوفة ببرجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، ثم توالت الصور عن حريق في البنتاغون وسقوط طائرة أخرى في بنسلفانيا. كان كل شيء يوحي بأن السماء لم تعد آمنة، وأن الخطر قد يمتد أبعد مما نتخيل.


في تلك اللحظة قررت السلطات الأميركية إغلاق مجالها الجوي بالكامل، في خطوة غير مسبوقة، خشية أن تكون هناك طائرات أخرى تحمل تهديداً. وها هي الطائرات العابرة للأطلسي تجد نفسها فجأة بلا وجهة، تبحث عن أرض تأويها.


وهنا برز اسم مدينة لم يكن كثيرون قد سمعوا به من قبل: غاندَر، الواقعة في أقصى الشرق الكندي على جزيرة نيوفاوندلاند، عند تخوم المحيط الأطلسي. هذه المدينة لم يكن يسكنها آنذاك أكثر من 10 آلاف نسمة، لكنها وجدت نفسها فجأة أمام أكثر من 6,700 مسافر هبطوا على متن أكثر من ثلاثين طائرة، أي ما يعادل تقريباً عدد سكانها بالكامل!


تخيلت المشهد وأنا أقرأ عنه: مدرج مزدحم بالطائرات، والمدينة كلها تستنفر لتصبح فجأة قلباً نابضاً للعالم. المدارس فتحت أبوابها كفنادق مؤقتة، القاعات الرياضية تحولت إلى مطاعم جماعية، وأهل المدينة تقاسموا طعامهم وبيوتهم وحتى سياراتهم مع الغرباء.


في تلك الأيام الثلاثة كتبت غاندَر درساً بليغاً: أن المدن تُقاس بقدرة قلوبها لا بعدد ناطحات سحابها. وأن الكرم، حين يأتي بلا انتظار ولا حساب، يصبح مرساةً للأمان وسط بحرٍ من الخوف.


واليوم، بعد أربعةٍ وعشرين عاماً على ذلك اليوم العصيب، يبقى هذا الدرس الإنساني عصياً على النسيان: ففي موقعٍ قصيّ عند حافة الأطلسي، أثبتت مدينة صغيرة أن الإنسانية قد تشرق من أبعد الجهات، حين يظلم العالم كله.





المنشورات الأخيرة

إظهار الكل
صوت هند رجب … من غزة إلى فينيسيا

لم يكن فيلم “صوت هند رجب” في مهرجان فينيسيا السينمائي مجرد عمل وثائقي، بل شهادة إنسانية على مأساة الطفلة الفلسطينية التي استغاثت عبر...

 
 
 

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page