top of page

الحرب الإسرائيلية–الإيرانية: هل هي تنفيذ متأخر لخطة “القطيعة النظيفة”؟


في خضم التصعيد العسكري العنيف الذي نشهده اليوم بين إسرائيل وإيران، تتكشف خيوط استراتيجية عابرة للزمن، صِيغت قبل ما يقارب ثلاثة عقود، لكنها ما تزال تلقي بظلالها الثقيلة على مستقبل المنطقة. إنها ما تُعرف بـ**“خطة القطيعة النظيفة”** (A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm)، الوثيقة التي وضعت ملامح إعادة تشكيل الشرق الأوسط على أسس الهيمنة الإسرائيلية والقوة العسكرية، وها هي اليوم تُنفذ بأقسى صورها في قلب الصراع مع إيران.


أصل الخطة: من الورق إلى الميدان


وضِعت خطة “القطيعة النظيفة” عام 1996 من قبل مجموعة من المحافظين الجدد الأمريكيين لمصلحة رئيس الوزراء الإسرائيلي العائد حينها، بنيامين نتنياهو، وكان الهدف الرئيسي منها هو القطيعة مع سياسة التسوية والسلام، واستبدالها باستراتيجية هجومية تُعيد تشكيل البيئة الإقليمية لإسرائيل عبر “إسقاط الأنظمة المعادية” و”ضرب الدوائر الداعمة للمقاومة”.


وحددت الخطة ثلاثة أهداف مركزية:

1. إسقاط نظام صدام حسين في العراق (وقد نُفذ هذا الهدف عام 2003).

2. إضعاف سوريا ولبنان عبر تقويض حزب الله وضرب النفوذ الإيراني فيهما وقد تم تغيير النظام السوري وازيل خطر حزب الله   اخيرا .

3. محاصرة إيران وإسقاط نظامها لاحقًا باعتباره عدوًا استراتيجيًا لإسرائيل .

ما نراه اليوم من استهداف مباشر للداخل الإيراني، ضربات نوعية للمراكز العسكرية والعلمية، وتصريحات أمريكية–إسرائيلية متطابقة، يعكس أن المرحلة الثالثة من الخطة قد دخلت طور التنفيذ العلني.


الحرب الحالية: “القطيعة” تتحول إلى حرب شاملة


الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت العمق الإيراني، بما في ذلك اغتيالات وتفجيرات باستخدام طائرات مسيّرة يقال إنها زُرعت منذ سنوات، ليست مجرد ردود فعل آنية، بل تعبير عن تحوّل عقيدة إسرائيل الأمنية نحو “الهجوم الاستباقي الكامل”، بدعم وتخطيط استخباراتي مشترك مع أجهزة مثل CIA وMossad وSBU الأوكراني كما يقول البروفسور Jeffry Sache.*

هذه ليست فقط مواجهة بين إسرائيل وإيران، بل صدام ضمن تحالف أمني–عسكري أمريكي–إسرائيلي–غربي، يُعيد بعث مشروع “الشرق الأوسط الجديد” بالقوة المسلحة، لا بالخطاب السياسي.


انهيار الدبلوماسية: “تفاوض أو نقتلك”


ما يثير القلق في هذه اللحظة التاريخية هو انهيار مفهوم التفاوض الدولي، واستبداله بمنطق القتل والترهيب. كما صرّح الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب بوضوح: “إما أن توافق إيران، أو سنقضي عليكم”. هذه ليست سياسة، بل قوة مفرطة محدثة تحت عباءة الدبلوماسية النووية، تُذكّرنا بلحظات مفصلية في التاريخ، سبقت اندلاع الحرب العالمية الثانية.


الرسالة الحقيقية: تفكيك إيران من الداخل


رغم الخطاب الإسرائيلي الرسمي عن “الردع والدفاع”، فإن الواقع يشير إلى هدف أعمق: إسقاط النظام الإيراني من الداخل، عبر:

• ضرب القيادة العسكرية الإيرانية.

• توجيه رسائل نفسية مدمّرة للشعب الإيراني.

• دفع البلاد إلى الفوضى الداخلية والانهيار الاقتصادي.


خاتمة: حرب بلا قاع… واستراتيجية بلا نهاية


الحرب الحالية بين إسرائيل وإيران ليست مجرد لحظة طارئة في صراع طويل، بل هي الحلقة الأخيرة من سلسلة تمتد منذ 1996، حين قررت إسرائيل أن أمنها لن يتحقق عبر التفاهم، بل من خلال تفكيك كل من يعارضها.


وفي غياب إرادة دولية للردع أو التهدئة، وفي ظل تحالف  غير معلن يضم قوى المال والسلاح والإعلام، تبدو المنطقة مقبلة على مرحلة غير مسبوقة من الدمار والانفجار، قد لا تخرج منها أي دولة، بمن فيها إسرائيل، دون خسائر جسيمة.


*Sachs is director of the Center for Sustainable Development at Columbia University



المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page