top of page

ايران على مفترق الطريق

الجمهورية الإسلامية على مفترق الطريق: ما بعد حرب الطائرات والصواريخ . لم تكن الطائرات التي ملأت سماء طهران ونيران الصواريخ التي اصابت معاقل الحرس الثوري مجرد أدوات حرب تقليدية، بل كانت أيضًا رسائل مدوية كتبت على جدران الجمهورية الإسلامية عبارات النهاية والبداية معًا.


ففي اللحظة التي بدأ فيها وقف إطلاق النار الهشّ بين إيران وإسرائيل، سارعت طهران إلى إعلان “النصر” في حرب لم تنتصر فيها عسكريًا، بقدر ما نجحت – حسب روايتها – في تفادي الانهيار التام، والاستمرار في الرد رغم الخسائر الفادحة وهنا نفس إعلان النصر و الشعار الذي رفعه نظام صدام حسين بعد حرب الخليج الثانية ١٩٩١ .

لكن السؤال الحقيقي لم يكن: هل نجت إيران؟ بل: أي إيران هي التي خرجت من تحت الركام؟

الصمود كمعيار للنصر

خلال اثني عشر يومًا من القصف الإسرائيلي المكثف، دُمّرت منظومات الدفاع الجوي الإيرانية، وقُتل عدد من كبار قادة الحرس الثوري، وبلغت التهديدات العلنية باغتيال المرشد الأعلى نفسه ذروتها. ورغم ذلك، لم تتهاوَ الدولة، ولم تُجبَر على توقيع اتفاقية استسلام، ولم تنفجر حرب شاملة مع واشنطن.

هذا “البقاء على قيد الحياة” اعتُبر نصرًا استراتيجيًا، و”انتصارًا للردع” في قاموس الأنظمة التي ترى في الاستمرارية غاية بحد ذاتها، لا وسيلة للإصلاح أو التغيير.


الشروخ البنيوية العميقة

لكن تحت هذا الصمود الظاهري، ظهرت تصدّعات خطيرة في بنية النظام:

• فشل استخباراتي مؤلم نتيجة اختراقات واسعة.

• تآكلٌ في صورة الحرس الثوري الذي كان يُقدَّم بوصفه الحارس الأمين للنظام.

• انكشاف لافت لقدرة إسرائيل على الوصول إلى العمق الإيراني دون ردع فعال.


ما كان خافيًا أصبح مكشوفًا، وما كان مؤجّلًا أصبح ملحًّا: إيران ما بعد الحرب ليست هي إيران ما قبلها.


التحول المحتوم: من دولة إيديولوجية إلى دولة وطنية؟


منذ عقود، قاومت القيادة الإيرانية كل دعوات الإصلاح، وقابلت الانتفاضات الشعبية بالقوة ، وتمسّكت بمنظومة فقهية وسياسية معادية لأي تحديث حقيقي.


لكن الحرب الأخيرة أحدثت “هزة وطنية” قلبت المعادلة: فقد اجتمع حتى خصوم النظام الداخليين على وحدة الجبهة ضد الخارج، غير أن هذا الالتفاف لم يكن إيمانًا بالإيديولوجيا، بل شعورًا غريزيًا بالدفاع عن الكيان الوطني.


من هنا، يقول بعض المراقبين إن اللحظة الراهنة تشبه ما حدث في الصين بعد ماو: استمرار في الاسم، لكن تغيرٌ في الجوهر. فالجمهورية الإسلامية قد تبقى على الورق، لكنها تتجه نحو واقع مختلف تحكمه اعتبارات الأمن القومي، والشرعية الداخلية، والضغط الشعبي المتراكم.



خلافة خامنئي: السيناريو المؤجَّل يتقدَّم


قبل اندلاع الحرب، كانت الساحة السياسية في طهران مشغولة بسؤال واحد: من سيخلف المرشد الأعلى البالغ من العمر 86 عامًا؟


الآن، يبدو أن الحرب اختصرت الزمن وقرّبت ساعة الحسم. وفي ظل غياب إعلان رسمي، يتردد اسم نجله مجتبى خامنئي، .


المفاجأة الكبرى أن القصف الإسرائيلي أطاح بقادة كبار، من بينهم الجنرال محمد باقري، رئيس الأركان، واستُبدل بشخصية من الجيش النظامي لا من الحرس الثوري، وهو ما رآه كثيرون مؤشرًا على رغبة في التهدئة الداخلية، وربما “تلطيف” صورة القيادة القادمة.


لكن السيناريو الأخطر – وربما الأكثر ترجيحًا على المدى المتوسط – هو أن يتقدم أحد ضباط الحرس الثوري الشباب من جيل ما بعد الحرب العراقية، ويطرح نفسه زعيمًا براغماتيًا قادرًا على:

• قبول القيود النووية،

• إصدار عفو سياسي عام،

• تشكيل حكومة ائتلافية وطنية،

بحجة “مصلحة الجمهورية” وباسم “الإنقاذ الوطني”.


مستقبل بلا معارضة.. وإرث من التدخلات الخارجية


رغم تصاعد السخط الشعبي، لا توجد حتى الآن معارضة داخلية منظمة يمكن أن تملأ أي فراغ محتمل. كما أن ذكريات التدخلات الأجنبية (الاحتلال السوفيتي-البريطاني في 1941، والانقلاب ضد مصدق في 1953) ما تزال حية، وتؤجّج الحذر الشعبي من أي “تحرير قسري” يأتي من الخارج.


لذا، فإن أي تحوّل جذري يُفرض من تل أبيب أو واشنطن قد يُنتج فوضى شبيهة بما حصل في كابول وبغداد، لا انتقالًا نحو الديمقراطية.


الخاتمة: لحظة فارقة… والساعة لم تُحسم بعد


الحرب الأخيرة لم تسقط النظام الإيراني، لكنها أسقطت الوهم بأن النظام محصّن من التغيير. لقد فجّرت صراعًا داخليًا حول المستقبل، وربما أطلقت موجة تحوّلات تاريخية ما تزال تتبلور.


قد يتأخر الانفجار الكبير، لكن نذر التحوّل قد بدأت تتكثف:

• شروخ في الداخل،

• انكشاف في الدفاع،

• وقلق عميق من لحظة ما بعد خامنئي.


إيران ما بعد الحرب قد تبقى “جمهورية إسلامية”، لكنها قد لا تشبه نفسها كثيرًا.

المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page