top of page

بين الغارة والتغريدة :ترامب يعلن نهاية "حرب الإثني عشر يوما"


في عالمٍ تحكمه اللحظة ويتراجع فيه المنطق أمام المسرح السياسي، لا يبدو مفاجئًا أن تشتعل حربٌ خلال عطلة نهاية الأسبوع، ثم يُعلن وقفها بعبارة احتفالية على منصة تواصل اجتماعي.

هذا بالضبط ما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما أعلن، في الساعة السابعة بتوقيت الشرق الأوسط، سيتم وقف كامل وشامل لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، واضعًا حدًا لما سمّاه هو بـ”حرب الاثني عشر يومًا”.


لكن خلف هذا الإعلان الصاخب، تتصاعد تساؤلات مشروعة:

_ هل هي مسرحية معدة سابقا؟

– هل فعلاً انتهت المواجهة؟

– وما الذي وافق عليه الطرفان، سرًّا أو علنًا، ليصلوا إلى هذه التهدئة المفاجئة؟

– وهل نحن أمام هدنة مؤقتة، أم بداية صفحة جديدة ستُكتب بأحرف سياسية لا عسكرية؟


من التصعيد إلى الهدوء المفاجئ


في ظرف 48 ساعة، انتقلت الولايات المتحدة – بقيادة ترامب – من قصف المنشآت النووية الإيرانية بقنابل خارقة للتحصينات، إلى التلويح بتغيير النظام في طهران، ثم فجأة، إلى إعلان السلام وكأن شيئًا لم يكن.


التصعيد بدأ يوم السبت، حين أُرسلت قاذفات B-2 الأمريكية لتنفيذ ضربات مركّزة على البنية النووية الإيرانية، ضمن عملية وُصفت بأنها أول تدخل أمريكي مباشر في الحرب بين إسرائيل وإيران.


وفي يوم الأحد، لوّح ترامب بفكرة “تغيير النظام”، ما أغضب حلفاءه من التيار الانعزالي وأرضى صقور الجمهوريين.


ثم، فجأة، صباح الاثنين، أعلن ترامب أن إيران وإسرائيل قد توصّلتا إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وصفه بـ”النصر الدبلوماسي”، مضيفًا:

“مبروك للجميع!”


لكن ماذا حدث فعلاً بين الأحد والاثنين؟


الرد الإيراني… وإشارات التهدئة


يبدو أن طهران اختارت أن تردّ على الضربة الأمريكية بطريقة محسوبة: أطلقت صواريخ على قاعدة أمريكية كبيرة في قطر، لكن بعد إبلاغ مبكر لقطر و لواشنطن، كما صرّح ترامب نفسه، وهو ما فُسِّر على أنه إشارة لخفض التصعيد وليس تصعيدًا جديدًا.


الأهم، بحسب ترامب، أن الضربة الإيرانية لم تُسفر عن أي إصابات أو خسائر في الأرواح، بعكس ما وصفه بأنه “تدمير كامل” للمواقع النووية الإيرانية.


هذا الرد المحدود فسّره البعض على أنه “مخرج مشرّف” للجميع:

– إيران تُظهر أنها ردّت.

– أمريكا تُعلن أنها انتصرت.

– إسرائيل تُظهر قدرتها، وتتراجع خطوة إلى الوراء.

– والعالم يتنفس، ولو مؤقتًا.


تساؤلات مشروعة: هل هناك بنود خفية؟

لكن يبقى السؤال الذي لم يُجَب عليه حتى اللحظة:

ما الذي اتُّفق عليه فعليًا؟


• هل وافقت إيران ضمنيًا على التراجع عن بعض أنشطتها النووية؟

• هل حصلت إسرائيل على ضمانات أمنية أمريكية أكبر؟

• هل قدّمت واشنطن وعودًا بتخفيف العقوبات مستقبلًا؟

• وهل هذا “الهدوء” هو مقدمة لاتفاق أشمل، ربما يُعلن لاحقًا بطريقة مشابهة لما عُرف باتفاقيات أبراهام أو الاتفاق النووي السابق؟


الهدنة التي أُعلنت اليوم في السابعة صباحًا قد تكون بداية لمسار تفاوضي جديد، أو مجرّد استراحة محارب. خاصة أن الإدارة الأمريكية أرسلت رسائل متضاربة: فبينما نفى كبار المسؤولين نية واشنطن لتغيير النظام الإيراني، كان ترامب يلمّح صراحة إلى ضرورة ظهور قيادة جديدة في طهران.



في الختام: بين الحقيقة والاستعراض


التحركات الأخيرة تؤكد مرة أخرى أن سياسة ترامب في الشرق الأوسط لا تُبنى على ثوابت استراتيجية بقدر ما تُدار بلحظة التأثير، وخطاب الجمهور، وسرعة الإنجاز الإعلامي.


لكن في الصراعات الإقليمية المعقّدة، لا تكفي التغريدات لإطفاء الجمر. وقف إطلاق النار خطوة مرحّب بها، نعم، لكنها لا تزال هشة، وتحتاج إلى ما هو أعمق من إعلان احتفالي: تحتاج إلى اتفاق واضح، ومتابعة دقيقة، وإرادة صادقة من الأطراف المعنية لتجنّب الانزلاق مجددًا نحو الهاوية.


ويبقى السؤال معلقًا:

هل نعيش حقًا نهاية “حرب الاثني عشر يومًا”، أم بداية فصل جديد من لعبة النفوذ والمساومات؟




المنشورات الأخيرة

إظهار الكل

تعليقات

تم التقييم بـ 0 من أصل 5 نجوم.
لا توجد تقييمات حتى الآن

إضافة تقييم
bottom of page