تخطيط مدن العراق المستقبلية: دروس من تعداد 2025
- Alaa Tamimi
- 14 أبريل
- 2 دقيقة قراءة
د.علاء محمود التميمي
نيسان 2025

أفرز التعداد العام للسكان والمساكن في العراق (2024–2025) مؤشرات ديموغرافية شديدة الأهمية، ينبغي أن تكون حجر الأساس في رسم السياسات العمرانية والتنموية خلال السنوات القادمة. فالمسألة لم تعد مقتصرة على الأرقام، بل هي نوافذ مفتوحة على تحديات كبرى وفرص كامنة يمكن استثمارها بذكاء إذا أحسنت الإدارة والتخطيط.
أولًا: التوسع الحضري والضغط على المدن الكبرى
تشير بيانات التعداد إلى أن 70.17% من سكان العراق يعيشون في المناطق الحضرية، مقابل 29.83% فقط في الريف. هذا التوازن المختل يضع ضغطاً هائلًا على البنية التحتية للمدن من حيث النقل، الإسكان، شبكات المياه والصرف، والخدمات الصحية والتعليمية. من هنا، يصبح إعادة توزيع التنمية وتحفيز التوطين في المدن المتوسطة والصغيرة ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار تقني.
ثانيًا: التركيبة السكانية الفتية وضرورة الاستعداد للمستقبل
يشكل الأفراد تحت سن 15 عامًا نحو 36% من السكان، وهو مؤشر واضح على أن العراق يقف أمام موجة ديموغرافية ناشئة ستطالب قريبًا بالمزيد من المدارس والجامعات وفرص العمل. إن الاستثمار في الإنسان، منذ الطفولة وحتى دخوله سوق العمل، يجب أن يكون أولوية وطنية. كما أن خلق بيئة حضرية تشجع على الإبداع والإنتاج أمر لا يقل أهمية عن بناء الجدران والطرقات.
ثالثًا: ارتفاع معدل الإعالة وتحقيق التوازن الاقتصادي
يسجل معدل الإعالة العامة 627 معالاً لكل 1000 فرد نشط اقتصادياً، وهو رقم يعكس العبء الواقع على كاهل الفئة العاملة. هذه النسبة تشير إلى الحاجة إلى سياسات تحفز النمو الاقتصادي وتوسع قاعدة التوظيف، خاصة في القطاعات الإنتاجية والاقتصاد الأخضر، لتقليل الفجوة بين من يعملون ومن يعتمدون على غيرهم.
رابعًا: توازن ديموغرافي مستقر بين الجنسين
تكشف بيانات التعداد عن توازن نسبي في نسبة الذكور (50.22%) والإناث (49.78%)، ما يُتيح تخطيطًا متزنًا في توزيع الموارد والفرص بين الجنسين. هذا الاتزان يجب أن ينعكس على سياسات الإسكان، والتعليم، والصحة، والتمكين الاقتصادي، والاجتماعي.
خامسًا: ملامح شيخوخة ديموغرافية صاعدة
رغم أن نسبة كبار السن (65 سنة فأكثر) ما تزال منخفضة نسبيًا عند 3.66%، إلا أن المؤشرات تؤكد تصاعد هذه النسبة في العقود القادمة. الأمر يستدعي التحضير المسبق لنظم رعاية صحية متخصصة، وإسكان ميسر للمسنين، وضمان اجتماعي فعّال، بما يضمن كرامة الإنسان في مراحله العمرية المتقدمة.
ختامًا: نحو تخطيط حضري يستند إلى الواقع
إن قراءة هذه المؤشرات لا ينبغي أن تكون تمرينًا إحصائيًا مجردًا، بل دعوة حقيقية إلى نمط تخطيط حضري مرن، تشاركي، ومتجدد، يربط ما بين أرقام التعداد وسياسات الأرض والإسكان، وما بين الواقع الاجتماعي والرؤية الاقتصادية. فبدون استيعاب التغيرات الديموغرافية ومواكبتها في البنية التخطيطية، تبقى المدن العراقية أسيرة التراكم العشوائي والتفاوت التنموي.
لقد آن الأوان لأن نؤسس لمدن تتنفس من واقعها وتبني مستقبلها بعين التخطيط تعتمد على
توسيع المدن بطرق مستدامة مع الحد من العشوائيات.
التركيز على المدن المتوسطة والصغيرة لتقليل الضغط على المدن الكبيرة.
تشجيع التنمية الريفية وتحسين البنية التحتية فيها لتقليل الهجرة نحو المدن.
تطوير سياسات إسكان مرنة ومتعددة المستويات العمرية.
ربط التعداد السكاني بالتخطيط الاقتصادي والبيئي لضمان التوازن بين العرض والطلب في الموارد.
Commentaires