في مواجهة المأساة... يهودي يتأمل ما بعد غزة
- Alaa Tamimi
- 30 يوليو
- 2 دقيقة قراءة
غالبا ما أحرص في قراءاتي على تنويع المصادر والآراء، حتى تلك التي قد لا أتفق معها بالضرورة. فبالنسبة لي، الفهم الحقيقي يبدأ من الإصغاء للآخر، حتى لو كان “الآخر” يقف على الضفة المقابلة من الوجع. ولعل هذا ما دفعني مؤخرًا إلى اقتناء كتاب شدّني عنوانه بقوة:
"أن تكون يهوديًا بعد تدمير غزة: الحساب"
“Being Jewish After the
Destruction of Gaza: A Reckoning”
للكاتب اليهودي الأمريكي بيتر بينارت.
شدني العنوان حيث استخدم الكاتب مصطلح "Reckoning , الحساب" تعني لحظة الحكم او التقييم ، حين يواجه الأفراد أو المجموعات عواقب أفعالهم السابقة، مما يؤدي غالبًا إلى المسائلة.
كان في ذهني أن أقرأه كوثيقة فكرية تعبّر عن وجهة نظر مختلفة، لكني لم أكن أتوقع أن أجد فيه هذا القدر من الصدق الأخلاقي والجرأة في المكاشفة.
الكاتب، وهو يهودي و مفكر سياسي وصحفي معروف، لا يدافع عن إسرائيل، بل يواجهها ويوجه سؤاله لليهود
ماذا يعني أن تكون يهوديًا اليوم، بعد ما جرى في غزة؟
هل يمكن لليهودي تبرير الصمت عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل في غزة باسم التضامن معها؟
وأين تقف القيم اليهودية حين تُسفك الدماء ويُهدم العمران تحت راية الدفاع عن “الهوية”؟
بينارت لا يكتب بلغة العداء، بل بلغة الحزن… وبمرارة الخيانة الأخلاقية. هو لا يُهاجم الديانة اليهودية، بل ينتقد كيف تم استخدامها كغطاء لممارسات لا تمتّ بصلة إلى تعاليم العدالة والرحمة التي قامت عليها كديانة سماوية
في فصول الكتاب، يستعرض بينارت تحوّل الرواية اليهودية من سردية “الناجين من المحرقة” إلى أداة تبرير للقوة المفرطة، ويُسائل مؤسسات يهودية أمريكية كبرى عن دورها في دعم حصار غزة وتجويع الأطفال والحرب عليها.
لكنه لا يكتفي بالنقد، بل يقترح مخرجًا: التحرر من هاجس التفوق القومي اليهودي ، وبناء دولة واحدة لجميع سكان الأرض المقدسة، يهودًا وفلسطينيين، على قدم المساواة.
شخصيًا، خرجتُ من هذه القراءة بانطباع عميق: أن الكاتب، رغم انتمائه العقائدي والقومي، اختار أن ينتصر لإنسانيته أولًا.
أن يكون الإنسان يهوديًا أو مسلمًا أو مسيحيًا، لا يعني أن يبرر القتل، بل أن يرفضه.
ما أعجبني في بينارت ليس فقط موقفه من غزة، بل شجاعته في مواجهة تاريخه الخاص، مجتمعه، وأحيانًا حتى عائلته الفكرية. هذا النوع من الأصوات – النادرة والمؤثرة – هو ما يحتاجه عالمنا المنهك بالصراخ والصدى.
في زمن الخنادق، اختار أن يكون جسرًا.
وفي زمن التبرير، اختار أن يسأل.
وربما هذا هو الدرس الأهم:
أن نكون بشرًا أولًا، قبل أن نكون أي شيء آخر.

تعليقات