
هارفاد …وأمريكا التي تتراجع عن ذاتها
- Alaa Tamimi
- 28 مايو
- 2 دقيقة قراءة
ذات صباحٍ من شتاء بوسطن، كنت أسير بين جدران الزمن في مكتبة جامعة هارفارد، يجاورني صمتُ الكتب ووهجُ العقول التي مرّت من هنا. كنت قد زرت هذه المدينة مراتٍ عدة، وفي كل زيارةٍ لي كنت أحرص على المرور بممرات هارفارد ومعهد MIT، وكأنني أبحث عن برهان حيّ على أن العقل البشري قادر على تجاوز المأساة نحو الأمل.
في عامَي 2005 و2012، حاصرتني الأسئلة في ندوتين عُقدتا في كلية التخطيط الحضري في جامعة هارفارد، حين كنت مشاركًا في مؤتمرات حول مستقبل بغداد. كنت أرى في هذه المؤسسة، وفي عقولها النابضة، مجتمعًا علميًا هو الأشدّ توهجًا منذ أن عرفت معنى البحث والسؤال.
لكن أميركا تغيّرت.
في الأسبوع الماضي، جاءت الضربة من حيث لم يكن يُنتظر: أمرت إدارة الرئيس ترامب، في تصعيد غير مسبوق، بمنع جامعة هارفارد من تسجيل الطلاب الدوليين فورًا، بحجّة فشلها في محاربة معاداة السامية وترويج ما يسمونه “أيديولوجية اليقظة”. وقالت وزيرة الأمن الداخلي: “ليكن هذا تحذيرًا لكل الجامعات في البلاد.”
تحذير لِمَ؟ للركوع؟ للتنازل عن القيم مقابل إرضاء النزوات السياسية؟ كما في بلدان العالم الثالث التي كنّا نظن أن أميركا تختلف عنها.
ورفضت المحاكم هذا القرار، مؤقتًا على الأقل. لكن الخطر الحقيقيّ لا يكمن في قرارٍ إداري، بل في الرسالة التي يحملها: أن أميركا لم تعد كما كانت، وأن فكرتها الكبرى عن الحرية قد بدأت في الانكماش.
أن تترك بلدك شابًا، لتسافر نحو أرضٍ جديدة، ليس مجرد مغامرة أكاديمية؛ إنه قرار وجودي. تصبح مزيجًا من ثقافتين، تنتمي إلى مكان وُلدت فيه، ومكان اخترته بقلبك وعقلك معًا. تكون، ببساطة، إنسانًا أكثر اتساعًا.
تلك العلاقة المتبادلة التي تنشأ بين الطالب الأجنبي وأميركا ليست من طرفٍ واحد. صحيحٌ أن كثيرين يعودون إلى أوطانهم، لكن الأميركيين الذين درسوهم، وصادقوهم، وشاركوهم الطموحات، لا ينسون. يبقى أثر التنوّع محفورًا في الذاكرة، دليلاً على أن الأفكار لا تعرف الحدود، وأن الآخر ليس تهديدًا، بل نافذة.
في جامعة هارفارد وحدها، يشكّل الطلاب الدوليون 27% من مجموع الطلبة. وفي الجامعات الأميركية الأخرى، تتجاوز النسبة ذلك بكثير. أكثر من 1.1 مليون طالب أجنبي درسوا في الولايات المتحدة خلال عام 2023-2024، وكل واحد منهم كان يحمل، إلى جانب أمتعته، حلمًا.
نعم، قد تتحدث الإدارة عن الرسوم والتمويل، لكن هؤلاء الطلاب لا يدفعون فقط مقابل المعرفة، بل يضخّون في الاقتصاد، ويُضيفون إلى الثقافة، ويبنون علاقات تمتد لعقود. بعضهم يبقى، وبعضهم يرحل، لكن أميركا كانت دومًا المستفيدة.
والآن؟ ها هم يضعون خططًا بديلة. فرنسا فتحت أبوابها، ورئيسها ماكرون دعا الباحثين إلى الهجرة إليها. وكندا تسير على النهج ذاته. العالم لا ينتظر أحدًا.
الحرية الأكاديمية، ذلك الشعاع الذي أضاء تاريخ أميركا، بدأ يخفت. لأن الأفكار لا تُولد في فراغ، بل تحتاج بيئة تسمح لها بالتجوال والاكتشاف والتلاقي. كيف يمكن للابتكار أن يزدهر حين يُنظر إلى العقول القادمة من الخارج كتهديد؟ كيف سيُبنى المستقبل إذا أغلقنا الباب أمام المختلفين عنا؟
المعركة القضائية بشأن هارفارد ما زالت مستمرة. لكنها ليست مجرد معركة قانونية، بل صراع رمزيّ حول روح بلدٍ ظلّ لعقود قبلة الطامحين من كل بقاع الأرض.
أتذكّر أصدقائي، قبل خمسين عامًا. لم نكن نملك إلا أحلامنا الصغيرة بالسفر والتعلّم. اجتمعنا ذات يومٍ تحت سماء بغداد، وتفرّقنا بعدها، كلٌ إلى جهة. أكملوا دراساتهم، ثم عادوا، ثم غادروا من جديد. الآن تجدهم في كل بلاد العالم من نيوزيلندا، وأستراليا والخليج واوربا وأمريكا وكندا، وأماكن أخرى، لكن شيئًا واحدًا يجمعنا رغم كل هذا الشتات: كان هناك زمنٌ، حين ظننا أن العالم يتسع لنا جميعًا.
يا ترى على كم جامعة سيتمكن ترامب من فرض هذا الحظر على قبول الطلاب الاجانب ومن هو الخاسر في النهاية وهل سيت اجعل كما تراجع عن بعض قراراته الارتجالية
احسنت د علاء لتسليط الضوء على هذا الموضوع والغريب ان يصدر من ادارة امريكية نزولا لطلب إسرائيلي ضد المصالح واعرق جامعة امريكية، هذا القرار سيضر امريكا اكثر من ضرره على جامعة هارفارد.
كان البابا فرانسيس رجل بسيط ومتواضع كثير الزيارات ومحب للسلام